الثلاثاء، مايو 25، 2010

* إمامٌ غريب وفقيهٌ عجيب


__________________________________________

حيِّ إماما كان جنْبَ البحْر * مَسْجدُه، وهْوَ مسيحُ البَرِ
مسقطُ رأسه (إدَاوْتنانُ) * أرضٌ بها العُسولُ والأمانُ
في الجسم يبدو للورى قصيرا * وفي دهائه يُـري كبيرا
له (بَرَّاكَةٌ) بحيِّ (زْرَايْبِ) * وضعَ فيها الأهلَ دون رَيْبِ
متى ذهبتَ لتزورَ مسجدَهْ * فأنتَ لنْ تَـجدَ إلا أثرَهْ
بعدَ الصلاة يجري صَوْبَ البابِ * ويتركُ السِّلهامَ في المحرابِ
فمرةً بالسدل يقضي الفرضا * ومرة أخرى يُصلي قبْضَا
يطالعُ الصحفَ في المحرابِ * بعد فراغه من الأحزابِ
يدعوا إلى إنفاق ما بالجيبِ * من زاره من بُعْد أو من قُرْبِ
دَرَسَ في زاويةٍ بـ (أَلْمَا) * وبعلومِ أهلها ألـمَّا
قرأ فيها الفقه والتصوفا * وأخذ "الوردَ" فنالَ "الشرفا"
لم يلزم "العهدَ" كما في العادة * ولم يصدِّق خبرَ (الإفادة)
قرأ لـ (الألباني) و(الشوكاني) * ففر من (جواهر المعاني)
لم يأخذ "الفتح" من (الرماح) * بل أخذ العلم من الصحاح
ليس عليه من صَفا التصوفِ * سوى جنوحِه إلى التقشفِ
فمرةً يؤيد (الشيوخا) * ويدَّعي أن لهم رسوخا
ومرة يصفهم بالنوم * وبالتواكلِ وضيق الفهم
تراه لايزورُ شيخ (ألْـما) * بل غالبا يلقي عليه اللوما
يؤطِّر الـجحاجَ والعمارَ * ليكسبَ الدرهم والدينارا
يصوم الاثنينَ كذا الخميسَ * مخالفا بفعلــه إبليسَ
يحسنُ كَتْبَ الرُّقَى والحروزِ * وقد تراه معْ ذوي الكنوز
يُكثر في الضجيج والإزعاج * والسب والشتم والاحتجاج
ينتقدُ الحكامَ والأحزابا * ويَلعنُ الشيوخَ والأقطاب
يُعرفُ بالغموض والوقاحة * وليس قط من ذوي الصراحة
يذهبُ غالبا إلى (الْعَرُّوجِي) * يقول للنفس عليه عوجي
يطلبُ متجرا بسوق (الْحَدِّ) * فلن ترى لحرصه من حدِّ
يعرفُ بالطمع والكياسة * ويخلط الدينَ مع السياسة
يضعٌ في جيبه سبحتانِ * ولـهما عنده قصتانِ
وقصدُه التمويهُ والتهويلُ * لا الذكرُ والتسبيح والتهليلٌ
يرتاحُ إن دعوته لـ (سِِِِلْكَة) * لكونه يعشقُ أخذ سِكة
تراه يهتم بأهل الفلس * يحبهم كحُبه للنفسِ
يعشقُ من يرى لديه المالَ * وغيرُه تراه عنــهُ مالَ
يخرج غالبا إلى السياحة * وليسَ يجلسُ ولو للراحة
تراه دائما لدَى (بُو مُوكَة) * يتبعهُ بسوسَ أو في مكة
سعى للانخراط بالجمعية * ليقتني بطاقةَ (الكشفية)
في ظرف شهر أخذ (التزكية) * عند ذوي المجالس العلمية
وأخذ (الجواز) في يومين * وحلق اللحية دون ميْن
ركبَ مع أبنائه في (لْكَارِ) * رغم غياب الأمن، والحصار
وغادر البلاد يوم السبت * مـخلِّفا كتبه في البيتِ
متجها لدولة (القذَّافي) * عدوِ أمريكا بلا خلاف
فصارَ فيها الشيخَ والعلامةْ * لـهُ رداء ولـه عمامةْ
هنا انتهت أرجوزة الترفيه * وقصدُنا البسطُ مع الفقيهِ

====================================================

أرجوزة هزلية داعبت بها صديقنا الفقيه الحسن هناين
عام 1993 وهو آنذاك إمام لمسجد حي (الزرايب) بأنزا

* تمروتُ يا أرض السياحة

*************************************************
(تمروتُ) تِيهي إنَّ تُرْبَكِ عَسْجـدُ * وتَفاخَري فالحسنُ فيـكِ مُجَـسَّدُ
(تمروتُ) يا أرضَ السيّاحةِ ،فيكِ حوْ * ضٌ رائعٌ يزهو، وفيكِ (لْكَسْكَدُ)
شلاَّلُكِ المشهورُ ذاعَ صَدَاهُ في الـ * ــمعور يَقْصِدُهُ (بَرِيزُ) و (مَدْرِدُ)
أصبحتِ مُصْطافَ الزوار فمن شَكا * حَرًّا يُحب العومَ حوضَكِ يَقصدُ
رَوْضٌ أناخَ الحسنُ فيكِ فنونَه * وبساطُ مجد في تراكِ مُمدََدُ
مَن زارَ أرضكِِ والسياحةُ قصـدُه * بالذكرياتِ الـماجداتِ يُــزَوَّدُ
كمْ مِـنْ جَـداولَ للمياهِ تَشُقُّها * تَسقي تَراها والثمارَ تُجَدِّدُ
يا من غدا ينوي زيــارةَ أرضِها * شلاَّلها دوماً يُزَار ويُقصدُ
قلْ للذي عشِـقَ المياهَ وحسنَـها: * عجِّل بزورِتها فأنتَ سَـتسعدُ
زرْها على بُعد المسـافة تَلْقَها * أرضاً بها تُنسَى الهمومُ وتًطرَدُ
أنى التفتَ تـرَ الجمـالَ مُرحِّبا * والطيرَ تشــدو دائماً وتُغرِّدُ
وترَ الجبالَ الشامخاتِ تَحوطُـهـا * وكأنها تحمي الجمـالَ وتَرصًـدُ
تمر وت مَن شـدَّ الرحالَ لها يَجِدْ * كلَّ المنى، يَرضى الـمُقَـامَ ويَسعدُ
يَكفيـكِ فخراً يا (تَنَانَـةُ) كونُـها * تُعْزَى إليكِ ومِنْ قُراكِ تُعَدَّدُ
=============================
شعر: محند إ يهوم

الاثنين، مايو 24، 2010

* عناقيد الضياء >> العشماوي

******************************
قصيدة قديمة لشاعرنا الغني عن التعريف
د. عبدالرحمن العشماوي
أول مرة استمعت لهذه القصيدة كانت منذ زمن وبصوت شاعرنا
فمازالت تنساب في أذني حتى هذه الساعة التي أنقلها لكم،
سمعته يقرؤها وكله أسى من حال أمتنا، وأحببت أن تقفوا بكل تمعن لبليغ كلماتها وسرد حكاياتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل الهلال فكيف ضل الساري؟ .. وعلام تزيد حيرة المحتار؟
ضحك الطريق لسالكيه فقل لمن .. يلوي خطاه عن الطريق حذار!
وتنفس الصبح الوضيء فلا تسل .. عن فرحة الأغصان والأشجار
غنت بواكير الصباح فحركت .. شجو الطيور ولهفة الأزهار
غنت فمكة وجهها متألق .. أملا، ووجه طغاتها متواري
هل الهلال فلا العيون ترددت .. فيما رأته ولا العقول تماري
والجاهلية قد بنت أسوارها .. دون الهدى، فانظر إلى الأسوار
واقرأ عليها سورة الفتح التي .. نزلت، ولا تركن إلى الكفار
أوما ترى البطحاء تفتح قلبها .. فرحا بمقدم سيد الأبرار؟
عطشى يلمظها الحنين، ولم تزل .. تهفو إلى غيث الهدى المدرار
ماذا ترى الصحراء في جنح الدجى؟ .. هي لا ترى إلا الضياء الساري
وترى على طيف المسافر هالة .. بيضاء، تسرق لهفة الأنظار
وترى عناقيد الضياء، ولوحة .. خضراء، قد عرضت بغير إطار
هي لا ترى إلا طلوع البدر في .. غسق الدجى، وسعادة الأنصار
مازلت أسمعها تصوغ سؤالها .. بعبارة تخلو من التكرار
هل يستطيع الليل أن يبقى إذا .. ألقى الصباح قصيدة الأنوار
ماذا يقول للاتهم ومناتهم؟ .. ماذا يقول لطغمة الكفار؟
ماذا يقول ولم يزل متحفزا .. متطلعا لخبيئة الأقدار؟
طب يا حراء، فلليتيم حكاية .. نسجت، ومنك بداية المشوار
أو ما تراه يجيء نحوك عابدا .. متبتلا للواحد القهار؟
أو ما ترى في الليل فيض دموعه؟ .. أو ما ترى نجواه في الأسحار؟
أسمعت شيئا يا حراء عن الفتى؟ .. أقرأت عنه دفاتر الأخيار؟
طب يا حراء، فأنت أول بقعة .. في الأرض، سوف تفيض بالأسرار
طب يا حراء، فأنت شاطئ مركب .. مازال يرسم لوحة الإبحار
ماجت بحار الكفر حين جرى على .. أمواجها الرعناء في إصرار
وتساءل الكفار حين بدت لهم ..في ظلمة الأهواء شمعة ساري:
من ذلك الآتي يمد لليلنا .. قبسا سيكشف عن خبايا الدار؟
من ذلك الآتي يزلزل ملكنا .. ويرى عبيد القوم كالأحرار؟!
ما باله يتلو كلاما ساحرا .. يغري، ويلقي خطبة استنفار؟
ما باله يقسو على أصنامنا .. باللوم، بالتسفيه، بالإنكار؟
هذا محمد يا قريش، كأنكم .. لم تعرفوه بعفة ووقار!!
هذا الأمين، أتجهلون نقاءه .. وصفاءه، ووفاءه للجار؟
هذا الصدوق تطهرت أعماقه .. فأتى ليرفعكم عن الأقذار
طب يا حراء، فأنت أول ساحة .. ستلين فيها قسوة الأحجار
سترى توهج لحظة الوحي الذي .. سيفيض بالتبشير والإنذار
(اقرأ) ألم تسمع أمين الوحي إذ .. نادى الرسول، فقال: لست بقاري
(اقرأ) فديتك يا محمد عندما .. واجهت هذا الأمر باستفسار
وفديت صوتك عندما رددتها .. آيا من القرآن باسم الباري
وفديت صوتك خائفا متهدجا .. تدعو خديجة: أسرعي بدثار
وفديت صوتك ناطقا بالحق لم .. يمنعك ما لاقيت من إنكار
وفديت زهدك في مباهج عيشهم .. وخلو قلبك من هوى الدينار
يا سيد الأبرار حبك دوحة .. في خاطري صداحة الأطيار
والشوق ما هذا بشوق إنه .. في قلبي الولهان جذوة نار!!
حاولت إعطاء المشاعر صورة .. فتهيبت من وصفها أشعاري
ماذا يقول الشعر عن بدر الدجى؟ .. لما يضيء مجالس السمار؟
يا سيد الأبرار أمتك التي .. حررتها من قبضة الأشرار
وغسلت من درن الرذيلة ثوبها .. وصرفت عنها قسوة الإعصار
ورفعت بالقرآن قدر رجالها .. وسقيتها بالحب والإيثار
يا سيد الأبرار أمتك التوت .. في عصرنا ومضت مع التيار
شربت كؤوس الذل حين تعلقت .. بثقافة مسمومة الأفكار!
إني أراها وهي تسحب ثوبها .. مخدوعة في قبضة السمسار
إني أراها تستطيب خضوعها .. وتلين للرهبان والأحبار
إني أرى فيها ملامح خطة .. للمعتدين، غريبة الأطوار
إني أرى بدع الموالد أصبحت .. داء يهدد منهج الأخيار
ورى القباب على القبور تطاولت .. تغري العيون بفنها المعماري
يتبركون بها تبرك جاهل .. أعمى البصيرة، فاقد الإبصار
فرق مضللة تجسد حبها .. لله بالشطح والمزمار
كبرت دوائر حزننا وتعاظمت .. في عالم أضحى بغير قرار
إني أقول لمن يخادع نفسه .. ويعيش تحت سنابك الأوزار:
سل أيها المخدوع طيبة عندما .. بلغت مداها ناقةُ المختار
سل صوتها لما تعالى هاتفا .. وشدا بألف قصيدة استبشار
سل عن حنين الجذع في محرابه .. وعن الحصى في لحظة استغفار
سل صَحبهُ الصديق وهو أنيسه .. في دربه ورفيقه في الغار
سل حمزة الأسد الهصور فعنده .. خبر عن الجنات والأنهار
سل وجه حنظلة الغسيل فربما .. أفضى إليك الوجه بالأسرار
سل مصعبا لما تقاصر ثوبه .. عن جسمه ومضى بنصف إزار
سل في رياض الجنة ابن رواحة .. واسأل جناحي جعفر الطيار!
سل كل من رفعوا شعار عقيدة .. وبها اغتنوا عن رفع كل شعار
سلهم عن الحب الصحيح ووصفه .. فلسوف تسمع صادق الأخبار
حب الرسول تمسك بشريعة .. غراء في الإعلان والإسرار
حب الرسول تعلق بصفاته .. وتخلق بخلائق الأطهار
حب الرسول حقيقة يحيا بها .. قلب التقي، عميقة الآثار
إحياء سنته إقامة شرعه .. في الأرض، دفع الشك بالإقرار
إحياء سنته، حقيقة حبه .. في القلب، في الكلمات، في الأفكار
يا سيد الأبرار حبك في دمي .. نهر على أرض الصبابة جاري
يا من تركت لنا المحجة، نبعها .. نبع اليقين، وليلها كنهار
سحب من الإيمان تنعش أرضنا .. بالغيث حين تخلف الأمطار
لك يا نبي الله في أعماقنا .. قمم من الإجلال والإكبار
عهد علينا أن نصون عقولنا .. عن وهم مبتدع وظن مماري
علمتنا معنى الولاء لربنا .. والصبرَ عند تزاحم الأخطار
ورست للتوحيد أكمل صورة .. نفضت عن الأذهان كل غبار
فرجاؤنا ودعاؤنا ويقيننا .. وولاؤنا للواحد القهار





* يا دعاةَ الامازيغية مهلاً: *

******************************************************************

يَا أَمـَاريغُ عِـزُّنَا فـي اتـحَـادٍ * معَ مـنْ نطقوا كلامَ الضَّـادِ
نَـحْنُ والعُرْبُ إخْـوةٌ فلمَاذَا * نَستجيبُ لما يَـبُثُّ الأعادِي
فسلاحُ الأعداء (فرق تسدْ) فهـ * ـوَ سيوف تُسَلُّ من أغمادِ
دعوة ٌجاهليةٌ حرَّكوها * بخيوطٍ خفيـةٍ وأيـادِ
من وراء البحارِ طارتْ إلينا * لتبثَّ السُّمومَ بين العـبادِ
هدفُ (الغرب) واضحٌ كيفَ نَسعى * ـ دونَ وعي ـ وراء ذِي أحقادِ
يا دُعاةَ الأمازيغية مَهْـلا * فعدو الجميع بالمرصـادِ
أنسيتم (ظَهِيرَ هُمْ) حين صاغو * ه لتمزيق شـمْـلِ أهل البلاد ؟
ليسَ فتحُ الإسلام غزواً ولـكنَّـ * ــهُ فجرٌ أَقامَـنا من رُقـادِ
ليس كـلُّ تراثِنا في طقوسٍ * وأغــانٍ تجــرُّنا للفساد
أين دور الإسلام أين علوم ٌ * نسبتْ للاما زغ الأمجادِ
اسألوا عن تراثهم كتُبَ التاريـ * ـخ فهي تغني عنِ الإشهاد
نشروا الدينَ في البلاد وبثوا * في الأهالي الهدى ونورَ الرشادِ
ترجموه إلى الأمازيغِ حتى * شَـمَل الْمُدْنَ نورُه والبوادي
إقرأُو (الحوضَ) و(الأميرَ) وغُوصُوا * في تُراثِ الأمازغِ الأسـياد ِ(1)
**************************
يَا ابنَ (ما زيغَ ) نَحنُ (أصلٌ) ولكنْ * وَحَّدَ الدين أهلَ هذي البلادِ
جمعتهـم عقيـدةٌ وتراثٌ * تركتْها الأجدادُ للأحفادِ
جمع الله شـملَهم وحباهم * بتــآخ وألــفـةٍ وَوِدادِ
رفضُوا الاستعمارَ حينَ أتاهم * بـ (ظهيرٍ) يريدُ نسفَ اتحاد
وحَّدَ الدينُ بين عُربٍ وعُجم * فبنـوا الفرس فيه كالأكـرادِ
نحنُ ـ حقاً ـ لنا الحقوقُ ولكنْ * ستضيـعُ إذا تبعـنَا الأعادي
لا تضق بـ (الأعرابِ) ذَرْعاً، ولا تصْـ * ــغَ بتاتا لفِريـةِ الأوغـادِ
إن نَطقت الأمازغية َعدُّو * كَ بليداً يعيشُ مثل الجمَادِ
همََّّشوا نطقَك الجميلَ وقالوا * لهجةٌ باءَ سوقُها بالكسادِ
قل لمن يبتغي خداعكَ: مهلا * لم أكن قطُّ للهدى بـمُعادِ
لغـةُ الضـاد لاَ تحاربُ إلا * من بليدٍ ومن حَقود ٍمعادِ
رغمَ كوني أما زغيا فهذي * لغـةُ الضاد قطعةٌ من فؤادِ
لغةُ الدين كمْ أنارتْ عقولا * وبِـها ربَّـنَا الكريـمَ أُنادِي (1)
أنا ضـدُّ عروبـةٍ لاتساوي * بين أهل البـلاد في كل ناد ِ
لستُ ضدَّ الأمازغية لكـن * ضدَّ من يستغلها للفسادِ
لستُ أرضى (كُسيلةً) لي جداً * أنا نجلٌ لـ (طارقِ بن زياد) (3)
كافرٌ بـ (أكُوشَ) لا أرتضِـيه * حسبيَ الله سيدُ الأسـيادِ (4)
مَنْ مُناهُ فَصْلي عن الدين يوماً * فهو ــ لاشكَّ ــ نافخٌ في رمـادِ

* القط الماكر>> حكاية شعبية ترجمت من الشلحة


يحكى ـ في غابر الأزمان ـ أن قطا ماكرا مرَّ بكلب وفي ِّ يحرس بيتا من البيوت، وهو في غاية من الجد والنشاط، ينبح ويجري هنا وهناك ، ولا يدع غريبا يقترب من البيت دون أن يثير انتباه ساكنيه، فنصحه القط قائلا
أيها الكلب المغفل البليد، أراك دائما تحرس هذا البيت وتدفع عنه اللصوص والأذى دون أي ثمن، ولا يجود عليك أصحابه في الغالب إلا بالفتات من العظام مالي أراك تبيت بجواره وأنت تقاسي أنواعا من آلام الحر والبرد في الصيف والشتاء ...
ألا تعلم أني أعيش بداخله معززا مكرما أنعم فيه بلذيذ الطعام والشراب والدفء، ولا أقدم لصاحب البيت إلا خدمة بسيطة جدا ... مرة أصطاد فأرة وقصدي أكلها واللعب بها فقط ... ولا شأن لي بمساعدة أهل البيت ولا بدفع المكروه عنهم...
تأثر الكلب بوشاية القط فقرر من يومه أن يعلن إضرابه عن العمل في الحراسة، وألا يخدم أهل البيت بدون مقابل معقول، وعزم على النوم طيلة الليل دون أن ينبح أو يحرك ساكنا طيلة الليل، ولو دخلت اللصوص للبيت... وفعلا توجه في المساء إلى مكان النحل "تدرات" فدخل إلى خلية من خلايا النحل الفارغة، فغط في نوم وفي سبات عميق....
وشاءت الصدف أن يأتي لص تلك الليلة لسرقة النحل والعسل، فلم يقع اختياره إلا على الخلية التي نام بها ذلك الكلب، لكونها ثقيلة ظانا منه أنها مليئة بالعسل.
فتكلف مشقة حملها على ظهره طيلة الليل ، فرحا مسرورا بتلك الغنيمة، معتقدا أن ما بينه وبين العسل إلا وضع تلك الخلية من فوق ظهره
وحين فتحها في الصباح الباكر ليجني النحل وقعت المفاجأة..؟ خرج له من السلة كلب فاق من النوم لتوه ....، وهنا سُقط في يد اللص نادما غاية الندم... ولم يملك إلا الشروع في ضرب الكلب حتى كاد أن يقتله ...
نجا منه الكلب بأعجوبة فندم بدوه وأدرك حيلة القط الغادر قائلا :
في الحقيقة أنا لا أقوم إلا بحراسة نفسي قبل حراسة غيري، وهذا القط اللعين غدر بي وخانني، فحلف على إلا يترك الحراسة ولو ليلة واحدة، وعلى أن ينتقم من ذلك القط متى قبض عليه

قال الراوي: وهذا هو سر عداوة الكلب للقط ...... والعهدة عليه












* زيارة الى مملكة النحو


@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
تخيلت يوما والخيال دأبي، أنني أخذت في المسير عاقدا العزم والنية لزيارة المملكة النحوية، ولكم كانت نفسي لبلوغ ذلك المكان تواقة، ولكن علمت أن ذلك يحتاج مني الى جهد وطاقة، فشمرت عن ساعد الجد، وحملت راية الحزم والكد، فلما اقتربت من ذلك المكان، أحسست أن كل شيء حولي تغير، فانشغل بالي وتحير...بدأت أتقدم بخطوات مترددة، وأمشي خائفا أترقب، لعلني أجد مؤنسا أو مرشدا يدلني، فإذا بي أرمق رجلا محدودب الظهر، فهرولت إليه وبادرته بالتحية، فاستقبلني ببشاشة ورحابة صدر، فسرني ذلك ونزعت عن نفسي ثياب التردد والخوف، وسألته قائلا من أنت؟ فأجابني وهو يتسم، أنا باء الاستعانة، فهل عندك من طلب فألبيه لك، قلت له بلهف: نعم يا سيدي، هل لك أن تدلني على باب مملكة النحو، قال نعم بكل فرح وسرور، فأنا واحد من أهلها، فأرشدني وشكرت له صنيعه، وانطلقت مسرعا ونفسي كلها أمل لأصل الى المملكة.
وما إن وقفت على بابها حتى أخذتني قشعريرة من منظرها الباهر، وعمرانها الساحر، وجوها النقي، ونسيمها البهي، فبدأت أمتع فيها نظري، التفت جهة يميني ويساري، وكان أول ما وقعت عليه عيناي قوم يجرون بالجرارات، دائبون على العمل دون كلل ولا ملل، فعرفت أنهم حروف الجر...
ثم واصلت الطريق، الى أن وقفت على قوم معوزين، لاحول لهم ولا طول، ولا يحركون أجسادهم بفعل ولا قول، وفجأة ... هبوا هبة رجل واحد، فاستغربت لذلك، فقيل لي إنها الموصولات، كانت في أول الأمر تفتقر الى الصلة، فلما وجدتها استعادت عافيتها.
وبينما أنا مستمر في سيري، إذ صرح أحدهم في وجهي، ألم يمر الخبر هنا؟ قفلت مستغربا: ومن أنت؟ قال أنا المبتدأ المقرون بلولا، فابتسمت وقلت له: إنك لن تستطيع الى صاحبك سبيلا، فقال: لن أمكنك من تيئيسي أبدا، سأبحث عنه مهما كلفني الأمر، ثم نظر إلي نظرة الشاك وولاني قَداله وانصرف وهو يقول: قرينُ سوء قبحه الله أين سأجده، فضحكت من تصرفه ثم واصلت طريقي، وما هي إلا خطوات حتى لفت انتباهي أربعة من الأشخاص مقيدون، قد لزموا مكانا واحدا لا يتحركون، وبينهم شخص يصول بينهم بحرية وطلاقة ويجول، فتقدمت الى أحدهم قائلا: من أنتم؟ فقال: نحن المفاعيل، قد قيدتنا حروف الجر بالسلاسل، قلت ومن ذلك المغرور الذي يتحرك بينكم ويدور، فقال: إنه المفعول المطلق، ليس له قيد به يوثق، وهذا هو ديدنه الدائم، فهممت أن أزجره لولا خوفي من وقوع مالا يلائم، فتركتهم مغضبا وانصرفت.
وهناك ... وسط المدينة، تبرز مدرستان عظيمتان في شكل معماري رائع وفنان، يسحر اللب والعين، فذكرني شكلهما بمبنى مجلس الأمن، فما ارتبت أنهما مدرستا الكوفة والبصرة، اللتان إعتنتا بهذه المملكة جيدا حتى صارت ذات صيت وشهرة، وبلغت مبلغا كبيرا في القوة والأسرة.
ويفصل المدرستين شارع كبير، جميل المنظر والحلة، يسمى شارع الألفية، وعلى جنباته محلات مختلفة الإشكال، متنوعة الخدمات، وعلى كل واحد منها لائحة كتب عليها اسم المحل بخط عريض، وهي لا تكاد تغلق أبواها لكثرة الوافدين ما بين والج وخارج، فهذه جماعة تكتظ حول محل اسم الإشارة، وأخرى حول محل جمع التكسير، وأخرى حول محل التصغير، وهكذا دون انقطاع.
وفي تلك اللحظات وقعت عيني على رجل جالس وسط الحديقة العمومية مطئطئا رأسه كأنه أصيب ببلية، فدنوت منه وسمعته ينشد بصوت حزين:
ولكن هما بين جنبي هاجه
علي ذووا القربى عفا الله عنهم
هموا لثموا عرضي لغير جريرة
سوى أنهم مني وأني منهم
فقاطعته قائلا، بالله عليك من أنت وما ذا بك؟ فرفع رأسه وقال يا هذا، أتسخر مني ؟ وهل هناك أحد في هذه المملكة لا يعرفني؟ قلت له أنا غريب يا سيدي فأخبرني أرجوك... ثم نطق بصعوبة ودموعه تسبق كلماته: أنا إسمي زيد وأعيش في هذا المكان، في ذل وهوان، لقد أوجعوني ضربا، وأسمعوني شتما وسبا، ثم أجهش بالبكاء مثل المرَزَّأة الثكلى،فأشفقت لحاله، وتمزق قلبي ألما لمنظره، وقلت له اصبر فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده.
ثم جلست لأستريح قليلا واستجمع قواي، فأخذتني سنة من النوم، حتى أقض مضجعي صراخ ولجب، ينبئ عن توقد نار الغضب، فقمت وجلا، فإذا بي أجد حشدا من الناس مجتمعين، فهرولت إليهم مسرعا، أسأل عن الخبر، فقيل لي: لقد وقع تنازع بين عاملين على معمول، ولم يستطيعا أن يتوصلا الى الحكم المأمول، ثم جاءت الشرطة لتحسم الإشكال، قبل أن يحتدم القتال، فتوجهت بهم نحو المحكمة الموجودة قرب المدرستين، لتتخذ الإجراءات اللازمة، وتحكم في القضية.
ومر وقت وليس بالطويل، وإذا بموكب خاص، متكون من أربعة أشخاص، لهم هيئة أرباب الصدور، ويمشون في كبر وغرور، فسألت أحد المارين، من أولئك؟ فقال لي: إنها العمد الأربعة، التي لا يستغني عنها أحد هنا في الضيق والسعة، فتقدم أحدهم في تلك اللحظات ينشد بفخر واعتزاز:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل
عفاف وإقدام وحزم ونائل
وتقدم الآخر ينشد وهو رافع عقيرته:
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وتقدم الآخر يجر ثياب الكبر والغرور قائلا:
أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا 
وأكرم من فوق التراب ولا فخر
وبعد مرور هذا الجو المهيب، غادرت المملكة كما يغادر الحبيب، بعد أن قضيت فيها أوقاتا رائعة وجميلة، واشتد شوقي وحنيني لأصدقائي وأحبابي، وعدت والعود أحمد.
وفجأة... استفقت من ذلك العالم، عالم الخيال، لأجد نفسي في واقعي ببين دفاتري وكتبي، فبادرت بشد وثاق هذه الرحلة، قبل أن تمحوها عواصف النسيان، وهاهي قد عرضت عليكم، فما وجدتم من خير فإمساك بمعروف، وما وجدتم من غيره فتسريح إحسان.
كتبه عبيد ربه الحسين أبيكا الطالب المدرسة العتيقة بإكضي